فصل: الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 فصل إذا كان عليه دين لزيد أو عين في يده

فقال رجل أنا وكيله بالقبض منك فأقبضنيه فله حالان أحدهما أن يصدقه في دعوى الوكالة فله دفعه إليه فإن دفع فحضر زيد وأنكر الوكالة فالقول قوله بيمينه فإذا حلف فإن كان الحق عيناً أخذها فإن تلفت فله تغريم من شاء منهما ولا رجوع للغارم على الآخر لأنه مظلوم بزعمه فلا يؤاخذ غير ظالمه قال في التتمة هذا إذا تلفت بلا تفريط وإن تلفت بتفريط القابض نظر إن غرم القابض فلا رجوع وإن غرم الدافع رجع لأن القابض وكيل عنده والوكيل يضمن بالتفريط وزيد ظالمه بأخذ القيمة منه وماله في ذمة القابض فيستوفيه بحقه وإن كان الحق ديناً فله مطالبة الدافع بحقه‏.‏

وإذا غرمه قال المتولي إن كان المدفوع باقياً فله استرداده وإن كان ذلك لزيد في زعمه لأنه ظالمه بتغريمه وقد ظفر بماله وإن كان تالفاً فإن فرط فيه غرمه وإلا فلا وهل لزيد مطالبة القابض نظر إن تلف المدفوع عنده فلا وكذا إن كان باقياً على الأصح وبه قال الأكثرون لأن الآخذ فضولي بزعمه والمأخوذ ليس حقه وإنما هو مال المديون وقال أبو إسحاق والشيخ أبو حامد له مطالبته لأنه في معنى وكيله بالدفع إليه فعلى هذا إذا أخذه برىء الدافع هذا كله في جواز الدفع إذا صدقه في الوكالة وهل يلزم الدفع أم له الامتناع إلى قيام البينة نص هنا أن له الامتناع ونص فيما لو أقر بدين أو عين لزيد وأنه مات وهذا وارثه أنه يلزمه الدفع بلا بينة فقيل قولان فيهما والمذهب تقرير النصين‏.‏

الحال الثاني أن لا يصدقه فلا يكلف الرفع إليه فإن دفع ثم حضر زيد وحلف على نفي الوكالة غرم الدافع وكان له أن يرجع على القابض ديناً كان أو عيناً لأنه لم يصرح بصدقه ولو أنكر الوكالة أو الحق وكان الوكيل مأذوناً له في إقامة البينة أو قلنا الوكيل بالقبض مطلقاً له إقامة البينة أقامها وأخذ الحق فإن لم تكن بينة فهل له التحليف يبنى على أنه لو صدقه هل يلزمه الدفع إن قلنا نعم حلفه وإلا فيبنى على أن النكول مع يمين الرد كالبينة أم كالإقرار وإن قلنا بالأول حلفه وإلا فلا‏.‏

جاء رجل وقال لمن عليه الدين أحالني به مالكه فصدقه وقلنا إذا صدق مدعي الوكالة لا يلزمه الدفع فهنا وجهان أصحهما يلزمه كالوارث‏.‏

ولو كذبه ولم تكن بينة هل له تحليفه إن ألزمناه الدفع فنعم وإلا فكما سبق ولو قال مات فلان وله عندي كذا وهذا وصيه فهو كقوله وارثه فلو قال مات وقد أوصى به لهذا الرجل فكإقراره بالحوالة‏.‏

 فصل إذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي

أو لم نوجب فدفع ثم بان حياة المستحق وغرم الدافع فله الرجوع على المدفوع إليه ولو جحد الحوالة فكجحد الوكالة‏.‏

 فصل إذا ادعى على رجل أنه دفع إليه متاعاً

ليبيعه ويقبض ثمنه وطالبه برده أو قال بعته وقبضت ثمنه فسلمه إلي فأنكر المدعي عليه فأقام المدعي بينة بما ادعى فادعى المدعى عليه أنه كان تلف أو رد نظر في صيغة جحوده فإن قال ما لك عندي شيء أو لا يلزمني تسليم شيء إليك قبل قوله في الرد والتلف وإن أقام بينة سمعت إذ لا تناقض بين كلاميه وإذا كانت صيغته ما وكلتني أو ما دفعت إلي شيئاً أو ما قبضت فإن ادعى التلف أو الرد قبل الجحود لم يقبل لمناقضته ولزمه الضمان وإن أقام بينة بما ادعاه فوجهان‏.‏

أصحهما تسمع دعواه وبينته وأصحهما عند الإمام والغزالي لا تسمع ولو ادعى أنه رد بعد الجحود لم يصدق لمصيره خائناً فلو أقام بينة سمعت على المذهب وهو المعروف لأن غايته أن يكون كالغاصب ومعلوم أنه تسمع بينته بالرد وقال الإمام فيه الوجهان للتناقض وهو حسن ولو ادعى التلف بعد الجحود صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين ولكن يلزمه الضمان لخيانته كما إذا ادعى الغاصب التلف‏.‏

 فصل إذا ادعى عليه خيانة

لم تسمع حتى يبين ما خان به بعشرة وما دفعت إلي إلا خمسة‏.‏

 فصل وكل بقبض دين أو استرداد وديعة

فقال المديون والمودع دفعت وصدقه الموكل وأنكر الوكيل هل يغرم الدافع بترك الإشهاد وجهان كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الإشهاد‏.‏

قلت الأصح أنه لا يغرم والله أعلم‏.‏

من قال أنا وكيل في النكاح أو البيع وصدقه من يعامله صح العقد فلو قال الوكيل بعد العقد لم أكن مأذونًا فيه لم يلتفت إليه ولم يحكم ببطلان العقد وكذا لو صدقه المشتري لأن فيه حقاً للموكل إلا أن يقيم المشتري بينة على إقراره بأنه لم يكن مأذوناً في ذلك التصرف‏.‏

 كتاب الإقرار

هو إخبار عن حق سابق وفيه أربعة أبواب‏.‏

 الباب الأول في أركانه

وهي أربعة

 الأول المقر

وهو مطلق ومحجور عليه‏.‏

فالمطلق يصح إقراره قال الغزالي رحمه الله يصح إقراره بكل ما يقدر على إنشائه وهذا الضبط تستثنى منه صور منها لو قال الوكيل تصرفت كما أذنت فقال الموكل لم تتصرف لم يقبل إقرار الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الإنشاء وكذا لو قال استوفيت ما أمرتني باستيفائه ونازعه كما سبق‏.‏

ومنها إنشاء نكاح الثيب إلى وليها فإقراره غير مقبول ويمكن أن يزاد في الضبط فيقال ينفذ إقراره في التصرفات المتعلقة به التي يستقل بإنشائها أو يقال ما يقدر على إنشائه يؤاخذ المقر بموجب إقراره ولا يلزمه نفوذه في حق الغير فتخرج عنه المسائل‏.‏

وأما المحجور فقد ذكرنا أقسامه في كتاب الحجر فمنه الصبي وإقراره باطل لكن يصح إقراره بالوصية والتدبير إذا صححناهما منه ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام أو ادعت أنها بلغت بالحيض في وقت إمكانهما صدقا فإن فرض ذلك في خصومة لم يحلفا لأنه لا يعرف إلا من جهتهما فأشبه إذا علق العتق بمشيئة غيره فقال شئت صدق بلا يمين هكذا قاله الشيخ أبو زيد والإمام والغزالي قال الإمام فلو بلغ مبلغاً يتيقن بلوغه فالظاهر أنه لا يحلف أيضاً على أنه كان بالغاً لأنا إذا حكمنا بمقتضى قوله فقد أنهينا الخصومة منتهاها فلا عود إلى التحليف وفي التهذيب وغيره أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنه احتلم حلف وأخذ السهم فإن لم يحلف ففي إعطائه وجهان‏.‏

ولو ادعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لإمكانها فلو كان غريباً خامل الذكر فهل يطالب بالبينة لإمكانها من جنس المدعي أم يلحق بالاحتلام أم ينظر إلى الإنبات لتعذر معرفة التاريخ كما في صبيان الكفار فيه ثلاثة احتمالات للإمام أصحها أولها‏.‏

قلت ولو أقر بعد بلوغه ورشده أنه أتلف في صباه مالا لزمه الآن قطعاً كما لو قامت به بينة ومنه المجنون وهو مسلوب العبارة إنشاء وإقراراً في كل شيء بلا استثناء وفي السكران خلاف وتفصيل مشهور نذكره في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت والمغمى عليه ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كشرب الدواء ونحوه أو أكره على شرب الخمر لا يصح إقرارهم والله أعلم‏.‏

ومنه حجر المبذر والمفلس وقد سبق حكمهما في بابيهما ويقبل إقرار المحجور عليه للفلس بالنكاح دون المحجور عليه لسفه اعتباراً للإقرار بالإنشاء قال الإمام وإقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان كإقرار الرشيدة إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانبها وفيه احتمال بسبب ضعف قولها وعقلها‏.‏

 فصل من المحجور عليه الرقيق

ومن المحجور عليه الرقيق والذي يقر به ضربان‏.‏

أحدهما يوجب العقوبة كالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما يوجب القصاص في النفس أو الطرف فيقبل إقراره به وتقام عليه عقوبته خلافاً للمزني وإذا أقر بسرقة توجب القطع قبل في القطع وأما المال فإن كان تالفاً فقولان أحدهما يقبل ويتعلق الضمان برقبته وأظهرهما لا يقبل ويتعلق الضمان بذمته إلا أن يصدقه السيد فيقبل وإن كان المقر بسرقته باقياً نظر إن كان في يد السيد لم ينتزع منه إلا بتصديقه وإن كان في يد العبد فطريقان أحدهما أن في انتزاعه القولين في التالف فإن قلنا لا ينتزع ثبت بدله في ذمته والطريق الثاني لا ينتزع قطعاً لأن يده كيد سيده وقيل إن كان المال باقياً في يد العبد قبل إقراره وإلا فلا وإذا اختصرت قلت في قوله أربعة أقوال أظهرها لا يقبل والثاني يقبل‏.‏

والثالث يقبل إن كان المال باقياً والرابع عكسه‏.‏

وإذا أقر بسرقة توجب القطع ثم رجع كان كإقراره بسرقة لا توجب القطع وسنذكرها في الضرب الثاني إن شاء الله تعالى ولو أقر بالقصاص على نفسه فعفا المستحق على مال أو عفا مطلقاً وقلنا إنه يوجب المال فوجهان أصحهما عند البغوي أنه يتعلق برقبته وإن كذبه السيد لأنه إنما أقر بالعقوبة وإنما وجب المال بالعفو والثاني أن الحكم كذلك إن قلنا موجب العمد القصاص فإن قلنا موجبه أحد الأمرين ففي ثبوت المال قولان كالإقرار بالسرقة الموجبة للقطع‏.‏

الضرب الثاني ما لا يوجب عقوبة فإذا أقر بدين جناية كغصب أو سرقة لا توجب قطعاً أو إتلاف وصدقه السيد تعلق برقبته فيباع فيه إلا أن يفديه السيد وإذا بيع فبقي شيء من الدين فهل يتبع به إذا عتق فيه قولان مذكوران في كتاب الجنايات‏.‏

وإن كذبه السيد لم يتعلق برقبته لكن يتعلق بذمته يتبع به إذا عتق ولا يخرج عن القولين فيما إذا بيع في الدين وبقي شيء لأنه إذا ثبت التعلق بالرقبة فكأن الحق انحصر فيها وقيل بطردهما لأن الزائد على القيمة لا يتعلق بالرقبة كما أن أصل الحق هنا غير متعلق بها ولو أقر بدين معاملة فإن لم يكن مأذوناً له في التجارة لم يقبل إقراره على السيد بل يتعلق المقر به بذمته يطالب به إذا عتق سواء صدقه السيد أم لا وإن كان مأذوناً فيها قبل وأدى من كسبه وما في يده إلا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض ولو أطلق المأذون الإقرار بالدين ولم يعين جهته لم ينزل على دين المعاملة على الأصح لاحتمال أنه بإتلاف ولا فرق في دين الإتلاف بين المأذون وغيره ولو حجر عليه فأقر بعد الحجر بدين معاملة إضافة إلى حال الإذن لم تقبل إضافته على الأصح‏.‏

فرع من نصفه حر لو أقر بدين جناية لم يقبل فيما يتعلق بسيده إلا أن يصدقه ويقبل في نصفه وعليه قضاؤه مما في يده ولو أقر بدين معاملة فمتى صححنا تصرفه قبلنا إقراره عليه وقضيناه مما في يده ومتى لم نصححه فإقراره كإقرار العبد‏.‏

فرع إقرار السيد على عبده بما يوجب عقوبة مردود وبدين الجناية مقبول إلا أنه إذا بيع فيه وبقي شيء لم يطالب به بعد العتق إلا أن يصدقه وكذا إقراره بدين المعاملة لا يقبل على العبد‏.‏

قلت قال ابن كج لو عتق ثم أقر بأنه أتلف مالا لرجل قبل العتق لم يلزم السيد ويطالب به العبد ولو قامت بينة بأنه كان جنى لزم السيد أقل الأمرين من أرش جنايته وقيمته قال البغوي كل ما قبل إقرار العبد فيه كالعقوبات فالدعوى فيه تكون على العبد وما لا يقبل المال المتعلق برقبته إذا صدقه السيد فالدعوى على السيد فإن ادعى في هذا على العبد إن كان له بينة سمعت وإلا فإن قلنا اليمين المردودة كالبينة سمعت رجاء نكوله وإن قلنا كالإقرار فلا ولو ادعى على العبد دين معاملة متعلق بالذمة وله بينة ففي سماعها وجهان كالدين المؤجل والله أعلم‏.‏

 فصل من المحجور عليهم المريض

مرض الموت ومن المحجور عليهم المريض مرض الموت وفيه مسائل‏.‏

إحداها يصح إقراره بالنكاح بموجبات العقوبات وبالدين والعين للأجنبي وفي إقراره للوارث بالمال طريقان أحدهما يقبل قطعاً وأصحهما عند الجمهور على قولين أظهرهما القبول واختار الروياني مذهب مالك رضي الله عنه وهو أنه إن كان متهماً لم يقبل إقراره وإلا فيقبل ويجتهد الحاكم في ذلك فإن قلنا لا يقبل فهل الاعتبار في كونه وارثاً بحال الموت أم بحال الإقرار فيه وجهان وقيل قولان أظهرهما وأشهرهما وهو الجديد بحال الموت كالوصية ولو أقر في مرضه أنه كان وهب وارثه وأقبضه في الصحة أشار الإمام إلى طريقين أحدهما القطع بالمنع لأنه عاجز عن إنشائه والثاني أنه على القولين في الإقرار للوارث ورجح الغزالي المنع واختار القاضي حسين القبول‏.‏

قلت القبول أرجح والله أعلم‏.‏

ولو أقر لوارثه وأجنبي معاً وقلنا لا يقبل للوارث قبل في نصفه للأجنبي على الأظهر‏.‏

الثانية لو أقر في صحته بدين لرجل وفي مرضه بدين لآخر فهما سواء كما لو ثبتا بالبينة وكما لو أقر بهما في الصحة أو المرض‏.‏

قلت وحكى في البيان قولاً شاذاً أن دين الصحة يقدم والله أعلم‏.‏

ولو أقر في صحته أو مرضه بدين ثم مات فأقر ورثته عليه بدين لآخر فوجهان أصحهما يتساويان فيتضاربان في التركة لأن الوارث يقوم مقامه فصار كمن أقر بدينين والثاني يقدم ما أقر به المورث لأنه بالموت تعلق بالتركة ويجري الوجهان فيما لو ثبت الأول ببينة ثم أقر وارثه وفيما لو أقر الوارث بدين على الميت ثم أقر لآخر بدين آخر وسواء كان الدين الأول مستغرقاً للتركة أم لا ولو ثبت عليه دين في حياته أو موته ثم تردت بهيمة في بئر كان حفرها بمحل عدوان ففي مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم الخلاف السابق فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه قاله في التتمة‏.‏

الثالثة مات وخلف ألف درهم فادعى رجل أنه أوصى له بثلث ماله فصدقه الوارث ثم جاء آخر فادعى عليه ألف درهم ديناً فصدقه الوارث قيل يصرف الثلث إلى الوصية لتقدمها وقيل يقدم الدين على الوصية كما هو المعروف فيهما ولو صدق مدعي دين أولاً قدم قطعاً ولو صدق المدعيين معاً قال الأكثرون يقسم الألف بينهما أرباعاً لأنا نحتاج إلى الألف للدين وإلى ثلث المال للوصية فيخص الوصية ثلث عائل وهو الربع وقال الصيدلاني تسقط الوصية ويقدم الدين كما لو ثبتا بالبينة وهذا هو الصواب سواء قدمنا عند ترتب الإقرارين الأول منهما أو سوينا‏.‏

الرابعة أقر المريض بعين مال لإنسان ثم أقر لآخر بدين مستغرق أو غير مستغرق سلمت العين للأول ولا شيء للثاني لأن المقر مات ولا يعرف له مال ولو أقر بالدين أولا ثم أقر بالعين فوجهان أصحهما أنه كما لو أقر بالعين أولا لأن الإقرار في الدين لا يتضمن حجراً في العين ألا ترى أنه ينفذ تصرفه فيها والثاني يتزاحمان لتعارض القوة فيهما‏.‏

قلت لو أقر المريض أنه أعتق عبداً في صحته وعليه دين يستغرق تركته نفذ عتقه لأن الإقرار ليس تبرعاً بل إخبار عن حق سابق ولو ملك أخاه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته وهو أقرب عصبته نفذ عتقه وهل يرث يبنى على الإقرار للوارث إن صححناه ورث وإلا فلا لأن توريثه يقتضي إبطال حريته فيذهب الإرث والله أعلم‏.‏

فرع يشترط في صحة الإقرار الاختيار فإقرار المكره باطل كسائر تصرفه‏.‏

قلت ولو ضرب ليقر فأقر في حال الضرب لم يصح وإن ضرب ليصدق في القضية قال الماوردي في الأحكام السلطانية إن أقر في حال الضرب ترك ضربه واستعيد إقراره فإن أقر بعد الضرب عمل به ولو لم يستعده وعمل بالإقرار حال الضرب جاز مع الكراهة هذا كلام الماوردي وقبول إقراره حال الضرب مشكل لأنه قريب من المكره ولكنه ليس مكرهاً فإن المكره هو من أكره على شيء واحد وهنا إنما ضرب ليصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر والله أعلم‏.‏

الركن الثاني المقر له وله ثلاثة شروط‏.‏

أحدها أهلية استحقاق الحق المقر به فلو قال لهذا الحمار أو لدابة فلان علي ألف فهو لغو ولو قال لفلان علي ألف بسببها صح على الصحيح ولزمه حملا على أنه جنى عليها أو اكتراها وقيل لا يلزمه لأن الغالب لزوم المال بالمعاملة ولا يتصور ذلك ولو قال لعبد فلان علي أو عندي ألف صح وكان إقراراً لسيده والإضافة فيه كالإضافة في الهبة وسائر الإنشاءات‏.‏

فرع قال لحمل فلانة علي أو عندي ألف فله ثلاثة أحوال‏.‏

أحدها أن يسند إلى جهة صحيحة كقوله ورثه من أبيه أو وصى به له فلان فيعتبر إقراره ثم إن انفصل ميتاً فلا حق له ويكون لورثة من قال أنه ورثه منه أو للموصي أو ورثته في صورة الوصية وإن انفصل حياً فإن كان لدون ستة أشهر من حين الإقرار استحقه وإن انفصل لأكثر من أربع سنين فلا لتيقن عدمه وإن انفصل لستة أشهر فأكثر ولدون أربع سنين فإن كانت مستفرشة لم يستحق وإلا فقولان‏.‏

قلت أظهرهما الاستحقاق والله أعلم‏.‏

وإذا ثبت الاستحقاق فإن ولدت ذكراً فهو له أو ذكرين فأكثر فلهم بالسوية وإن ولدت أنثى فهو لها إن أسنده إلى وصية وإن أسنده إلى إرث من أبيها فلها نصفه وإن ولدت ذكراً وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثاً إن أسنده إلى الإرث هذا إذا اقتضت جهة الوراثة ما ذكرنا فإن اقتضت التسوية كولدي أم سوي بينهما في الثلث قال الإمام ولو أطلق الإرث سألناه قلت وهذا المحكي عن الإمام قاله أيضاً ابن الصباغ وقال الشيخ أبو حامد يكون بينهما بالسوية وإن تعذرت مراجعة المقر فينبغي القطع بالتسوية بينهما والله أعلم‏.‏

الحال الثاني أن يطلق الإقرار فيصح على الأظهر ويحمل على الجهة الممكنة في حقه‏.‏

الثالث أن يسند إلى جهة باطلة كقوله أقرضنيه أو باعني به شيئاً فإن أبطلنا المطلق فذا أولى وإلا فطريقان أصحهما القطع بالصحة والثاني على القولين في تعقيب الإقرار بما يرفعه‏.‏

قلت الأصح في هذا الحال البطلان وبه قطع الرافعي في المحرر والله أعلم‏.‏

وإذا صححنا الإقرار في الحالين الآخرين فانفصل ميتاً فلا شيء له ويسأل المقر عن جهة إقراره من الإرث والوصية ويعمل بمقتضاها قال الإمام وليس لهذا السؤال والبحث طالب معين وكان القاضي يسأل حسبة ليصل الحق إلى مستحقه فإن مات قبل البيان فكمن أقر لإنسان فرده وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يطالب ورثته كنفسه وإن انفصل حياً للمدة المعتبرة فالكل له ذكراً كان أو أنثى وإن انفصل ذكر وأنثى فهو لهما بالسوية ومتى انفصل حي وميت فالميت كالمعدوم وينظر في الحي كما ذكرنا‏.‏

فرع أقر لإنسان بحمل جارية أو بهيمة ففيه التفصيل المذكور في الإقرار للحمل فإن قال إنه أوصى له به صح وينظر كم بين انفصاله وبين يوم الإقرار من المدة على ما سبق وفي حمل البهيمة يرجع إلى أهل الخبرة وإن أطلق أو اسند إلى جهة باطلة ففيه الخلاف المذكور ولو أقر بالحمل لرجل وبالأم لآخر فإن جوزنا الإقرار بالحمل صح الإقراران وإلا فقال البغوي هما جميعاً للآخر وهذا بناء على أن الإقرار بالحامل إقرار بالحمل وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

فرع أقر لمسجد أو مقبرة أو نحوهما بمال واسنده إلى جهة صحيحة كغلة وقف عليه صح وإن أطلق فوجهان تخريجاً من القولين في الحمل وعلى قياسه ما إذا اسند إلى جهة باطلة‏.‏

الشرط الثاني عدم تكذيبه فيشترط لصحة الإقرار عدم تكذيب المقر له وإن كنا لا نشترط قبوله لفظاً فإن كذبه نظر إن كان المقر به مالا ففيما يفعل به أوجه أصحها يترك في يد المقر والثاني ينتزعه الحاكم ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه فإن رأى استحفاظ صاحب اليد فهو كما لو استحفظ عدلا آخر والثالث يجبر المقر له على القبول والقبض وهو بعيد قال الشيخ أبو محمد موضع الخلاف ما إذا قال المقر هذا المال لفلان فكذبه فأما إذا قال للقاضي إن في يدي مالا لا أعرف مالكه فالوجه القطع بأن القاضي يتولى حفظه وأبعد بعضهم فلم يجوز انتزاعه هنا أيضاً ولو رجع المقر له عن الإنكار وصدق المقر فقد حكى الإمام والغزالي القطع بقبوله وتسليم المال إليه والأصح ما ذكره المتولي وغيره أنه مفرع على الخلاف فإن قلنا يترك في يد المقر فقد حكمنا ببطلان الإقرار فلا يصرف إلى المقر له إلا بإقرار جديد وإن قلنا ينتزعه الحاكم ويحفظه لم يسلم إليه أيضاً بل لو أقام بينة بأنه ملكه لم تسمع وإنما يسلم إليه إذا قلنا بالوجه الثالث البعيد فحصل أن المذهب عدم تسليمه إليه ولو رجع المقر في حال إنكار المقر له وقال غلطت أو تعمدت الكذب فإن قلنا ينتزعه الحاكم لم يقبل وإن قلنا يترك في يده فوجهان أصحهما عند الجمهور يقبل وأصحهما عند الإمام والغزالي لا يقبل وجميع ما ذكرناه في الإقرار بثوب ونحوه فلو أقر له بعبده فأنكره فوجهان أحدهما يحكم يعتقه لأنهما لا يدعيانه كاللقيط إذا قال بعد بلوغه أنا عبد لزيد فأنكر زيد يحكم بحريته وأصحهما لا يعتق لأنه محكوم برقه فلا يرفع إلا بيقين بخلاف اللقيط فإنه محكوم بحريته بالدار فعلى هذا حكمه كالثوب ونحوه على ما مضى أما إذا كان المقر به قصاصاً أو حد قذف فكذبه المقر له فيسقط وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع وأنكر رب المال السرقة فلا قطع وفي المال ما سبق ولو أقرت بالنكاح وأنكر سقط حكم الإقرار في حقه‏.‏

فرع في يده عبدان فقال أحدهما لزيد ثم عين أحدهما فقال زيد عبدي الآخر فهو مكذب للمقر في فرع ادعى على رجل ألفاً من ثمن مبيع فقال قد أقبضتك بينة على إقراره بالقبض يوم كذا فأقام المدعي بينة على إقرار المشتري بعد بينته بأنه ما أقبضه الثمن سمعت وألزم المشتري الثمن لأنه وإن قامت البينة على إقرار البائع بالقبض فقد قامت أيضاً على أن صاحبه كذبه فيبطل حكم الإقرار وبقي الثمن على المشتري‏.‏

الشرط الثالث أن يكون معيناً نوع تعيين بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب فلو قال لإنسان أو واحد من بني آدم أو من أهل البلد علي ألف ففي صحته وجهان بناء على ما لو أقر بمعين فكذبه هل ينتزع من يده إن قلنا نعم لأنه مال ضائع فكذا هنا فيصح الإقرار وإن قلنا لا لم يصح وهو الصحيح قال المتولي فلو جاء واحد فقال أنا الذي أردتني ولي عليك ألف فالقول قول المقر بيمينه في نفي الإرادة ونفي الألف‏.‏

الركن الثالث المقر به ويجوز الإقرار بالمجهول فإن كان ما يقر به عيناً فشرطه أن لا يكون مملوكاً للمقر حين يقر لأن الإقرار ليس إزالة ملك وإنما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمقر له فلو قال داري هذه أو ثوبي الذي أملكه لزيد فهو متناقض وهو محمول على الوعد بالهبة ولو قال مسكني هذا لزيد كان إقراراً لأنه قد يسكن ملك غيره ولو شهدت بينة أن الدار الفلانية أقر زيد بأنها ملك عمرو وكانت ملك زيد إلى أن أقر كانت الشهادة باطلة نص عليه ولو قال هي لزيد وكانت ملكي إلى وقت الإقرار فإقراره نافذ والذي ذكره بعده مناقض لأوله فيلغو كما لو قال هي له وليست له وهذا في الأعيان وكذا في الديون إذا كان له على غيره في الظاهر دين من قرض أو أجرة أو ثمن فقال ديني الذي على زيد لعمرو فهو باطل ولو قال الدين الذي على زيد هو لعمرو واسمي في الكتاب عارية فهو إقرار صحيح فلعله كان وكيلا عنه في الإقراض والإجارة والبيع ثم عمرو يدعي المال على زيد لنفسه فإن أنكر فهو بالخيار بين أن يقيم البينة على دين المقر على زيد ثم على إقراره له بما على زيد وبين أن يقيم البينة أولا على الإقرار ثم على الدين كذا ذكره القفال‏.‏

فرع استثنى صاحب التلخيص ثلاثة ديون ومنع الإقرار بها أحدها الصداق في ذمة الزوج لا تقر به المرآة والثاني بدل الخلع في ذمة الزوجة لا يقر به الزوج والثالث أرش الجناية لا يقر به المجني عليه فإن كانت الجناية على عبد أو مال آخر جاز له أن يقر به للغير لاحتمال كونه له يوم الجناية قال الأئمة هذه الديون وإن لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداء وتقديراً للوكالة فيجوز انتقالها بالحوالة وكذلك بالبيع على قول فيصح الإقرار بها عند احتمال جريان ناقل وحملوا ما ذكره صاحب التلخيص على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان ناقل لكن سائر الديون أيضاً كذلك فلا يصح الاستثناء بل الأعيان أيضاً بهذه المثابة حتى لو أعتق عبده ثم أقر له السيد أو غيره عقيب الاعتاق بدين أو غيره لم يصح لأن أهلية الملك لم تثبت له إلا في الحال ولم يجر بينهما ما يوجب المال وقال أبو العباس الجرجاني في الديون الثلاثة إن اسند الإقرار بها إلى جهة حوالة أو بيع إن جوزناه صح وإلا فعلى قولين كما لو أقر للحمل وأطلق‏.‏

 فصل شروط الحكم بثبوت ملك المقر له

يشترط في الحكم بثبوت ملك المقر له أن يكون المقر به تحت يد المقر وتصرفه فإن لم يكن لم يحكم به في الحال بل يكون ذلك دعوى أو شهادة ولا تلغية من كل وجه بل لو حصل المقر به يوما في يد المقر لزمه تسليمه إليه ولو قال العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا ثم حصل العبد في يده يؤمر ببيعه في دين عمرو ولو أقر بحرية عبد في يد رجل أو شهد بحريته فلم تقبل شهادته ثم اشتراه صح تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو البائع ويحكم بحريته وترفع يده عنه ثم لإقراره صيغتان‏.‏

إحداهما أن يقول إنك أعتقته وتسترقه ظلماً قال الأصحاب فيكون هذا العقد من جانب البائع بيعاً قطعاً وفي جانب المشتري وجهان أحدهما شراء وأصحهما افتداء لاعترافه بحريته وحكى الإمام والغزالي فيه ثلاثة أوجه أصحها بيع من البائع وافتداء من المقر والثاني بيع منهما والثالث فداء منهما وهذا الثالث فاسد في جهة البائع وكيف يصح أخذه المال ليفدي من يسترقه ولو قيل فيه المعنيان وأيهما أغلب فيه الخلاف لكان قريباً والمعتمد ما ذكرنا عن الأصحاب ويثبت للبائع فبهذا العقد خيار المجلس والشرط بناء على ظاهر المذهب أنه بيع من جانبه ولو كان البيع بثمن معين فخرج معيباً ورده كان له استرداد العبد بخلاف ما لو باع عبدا فأعتقه المشتري ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده حيث لا يسترد العبد بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك وأما المقر المشتري فإن جعلناه شراء في حقه فله الخيار وإن قلنا فداء فلا وعلى الوجهين لا رد له لو خرج العبد معيباً لكن له أخذ الأرش على قولنا شراء وليس له على الافتداء وذكر الإمام أنه إذا لم يثبت الخيار للمشتري ففي ثبوته للبائع وجهان لأن هذا الخيار لا يكاد يتبعض والمذهب على الجملة ثبوته للبائع دون المشتري وأما ولاؤه فموقوف فإن مات وخلف مالا ولا وارث له بغير الولاء نظر إن صدق البائع المشتري أخذه ورد الثمن وإن كذبه وأصر على كلامه الأول فظاهر النص أن الميراث يوقف كما وقف الولاء واعترض عليه المزني فقال للمشتري أخذ قدر الثمن مما تركه فإن فضل شيء كان الفاضل موقوفاً لأن المشتري إما كاذب فالميت رقيق له وجميع إكسابه له وإما صادق فالإكساب للبائع إرثاً بالولاء وقد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظفر بماله كان له أخذ قدر الثمن واختلف الأصحاب فذهبت طائفة إلى ظاهر النص وتخطئه المزني قالوا لأنه لو أخذه لأنه كسب مملوكه فقد نفاه بإقراره أو بجهة الظفر بمال ظالمه فقد بذله تقرباً إلى الله تعالى باستنقاذ حر فلا يرجع فيه كالصدقة ولأنه لا يدري بأي جهة يأخذه فيوقف إلى ظهور جهته وذهب ابن سريج وأبو إسحاق والجمهور إلى أن المذهب ما قاله المزني وقال ابن سريج وغيره وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في غير هذا الموضع وحملوا ما ذكره هنا على أن ما يأخذه بجهة الولاء يكون موقوفا وقف الولاء وهو ما زاد على قدر الثمن فأما المستحق بكل حال فلا معنى للوقف فيه قالوا ويجوز الرجوع في المبذول فدية وقربة كمن فدى أسيراً ثم استولى المسلمون على الكفار ووجد الفادي عين ماله أخذه وأما اختلاف الجهة فلا يمنع الأخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق‏.‏

الصيغة الثانية يقول هو حر الأصل أو أعتق قبل أن تشتريه فإذا اشتراه فهو افتداء من جهته بلا خلاف وأما إذا مات وخلف مالا ولا وارث له بغير الولاء فماله لبيت المال وليس للمشتري أخذ شيء منه لأن المال بزعمه ليس للبائع حتى يأخذه عوضا عن الثمن ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشتري لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن لأنه لا حرية في زعمه وقد تلف المبيع قبل القبض‏.‏

فرع لو أقر بحرية عبد ثم استأجره لم يحل له استخدامه وللمكري مطالبته بالأجرة ولو أقر بحرية جارية لزيد ثم قبل نكاحها منه لم يحل له وطؤها ولزيد مطالبته بمهرها‏.‏

قلت ينبغي أن يقال إن أقر أن زيداً أعتقها ولم يكن لها عصبة صح تزويجه لأنه إما مالك وإما مولى حرة والله أعلم‏.‏

فرع قال هذا العبد الذي في يدك غصبته من زيد ثم اشتراه منه ففي صحة العقد وجهان حكاهما الإمام أصحهما الصحة كما لو أقر بحريته ثم اشتراه والثاني المنع لأن التصحيح هناك للافتداء والإنقاذ من الرق ولا يتجه مثله في تخليص عبد الغير‏.‏

فرع أقر بعبد في يده لزيد فقال العبد بل أنا ملك عمرو يسلم إلى زيد لأنه في يد من يسترقه لا في نفسه فلو أعتقه زيد لم يكن لعمرو تسلم رقبته ولا التصرف فيها لما فيه من إبطال ولاء زيد الركن الرابع الصيغة وفيه مسائل‏.‏

إحداها قول القائل لفلان كذا صبغة إقرار وقوله لفلان علي أو في ذمتي إقرار بالدين ظاهراً وقوله عندي أو معي إقرار بالعين وقوله له قبلي كذا قال في التهذيب هو دين ويشبه أن يكون صالحاً للدين والعين جميعاً‏.‏

قلت قوله إقرار بالعين معناه أنه يحمل عند الإطلاق على أن ذلك عين مودعة له عنده قاله البغوي قال حتى لو ادعى بعد الإقرار أنها كانت وديعة تلفت أو رددتها قبل قوله بيمينه بخلاف ما إذا قلنا إنه دين فإنه لو فسره بالوديعة لم يقبل وإذا ادعى التلف لم ينفعه بل يلزمه الضمان والله أعلم‏.‏

الثانية إذا قال رجل لك علي ألف فقال في جوابه زن أو خذ أو استوف أو اتزن لم يكن إقراراً لأنه ليس بالتزام ولأنه قد يذكر للاستهزاء وفي وجه اتزن إقرار وهو شاذ ولو قال خذه أو زنه أو اختم عليه أو شده في هميانك أو اجعله في كيسك أو اختم عليه فليس بإقرار على الصحيح وقال الزبيري إقرار‏.‏

قلت ولو قال وهي صحاح فهو كقوله زنه والله أعلم‏.‏

ولو قال في الجواب بلى أو نعم أو أجل أو صدقت فهو إقرار قالوا ولو قال لعمري فإقرار ولعل العرف يختلف فيه ولو قال أنا مقر به أو بما تدعيه أو لست منكراً له فهو إقرار له ولو قال أنا مقر ولم يقل به أو لست منكراً أو أنا أقر فليس بإقرار ولو قال أنا أقر لك به فوجهان نسب الإمام كونه إقراراً إلى الأكثرين وفيه نظر لأن العراقيين والقاضي حسين والروياني قطعوا بأنه ليس بإقرار ولا يحكى الوجه الآخر إلا نادراً ويتأيد كونه إقراراً بأنهم اتفقوا على أنه لو قال لا أنكر ما تدعيه كان إقراراً ولم يحملوه على الوعد بالإقرار ولو قال لا أنكر أن يكون محقاً فليس بإقرار لجواز أن يريد في شيء آخر فلو قال فيما يدعيه فهو إقرار ولو قال لا أقر به ولا أنكره فهو كسكوته فيجعل منكراً وتعرض عليه اليمين ولو قال أبرأتني منه أو قضيته فإقرار وعليه بينة القضاء والإبراء وفي وجه أبرأتني منه ليس بإقرار وليس بشيء ولو قال أقررت بأنك أبرأتني واستوفيت مني فليس بإقرار ولو قال في الجواب لعل أو عسى أو أظن أو أحسب أو أقدر فليس بإقرار‏.‏

فرع اللفظ وإن كان صريحاً في التصديق فقد تنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب ومن جملتها الأداء والإبراء وتحريك الرأس الدال على شدة التعجب والإنكار فيشبه أن يحمل قول الأصحاب إن صدقت وما في معناها إقرار على غير هذه الحالة فأما إذا اجتمعت القرائن فلا تجعل إقراراً ويقال فيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال لي عليك ألف فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء لك علي ألف فإن المتولي حكى فيه وجهين‏.‏

المسألة الثالثة إذا قال أليس لي عليك ألف فقال بلى كان إقراراً وإن قال نعم فوجهان وقطع البغوي وغيره بأنه ليس بإقرار كما هو مقتضاه في اللغة وقطع الشيخ أبو محمد والمتولي بأنه إقرار وصححه الإمام والغزالي لأن الإقرار يحمل على مفهوم أهل العرف لا على دقائق العربية‏.‏

قلت هذا الثاني هو الأصح وصححه الرافعي في المحرر والله أعلم‏.‏

ولو قال هل لي عليك ألف فقال نعم فإقرار‏.‏

الرابعة إذا قال اشتر مني عبدي هذا فقال نعم فهو إقرار منه للقائل كما لو قال أعتق عبدي هذا فقال نعم ويمكن أن يجيء فيه خلاف مما سبق في الصلح كقوله بعنيه ولو قال اشتر مني هذا العبد ولم يقل عبدي فالتصديق بنعم يقتضي الاعتراف بأنه يملك بيعه لا أنه يملك العبد ولو ادعى عليه عبداً فقال اشتريته من وكيلك فلان فهو إقرار له ويحلف المدعي أنه ما وكل فلاناً في بيع‏.‏

الخامسة لو قال له علي ألف في علمي أو فيما أعلم أو أشهد فهي إقرار‏.‏

السادسة قال كان علي ألف أو كانت هذه الدار في السنة الماضية له فهل هو إقرار في الحال قلت ينبغي أن يكون أصحهما الثاني وقد أشار إلى تصحيحه الجرجاني والله أعلم‏.‏

ويقرب منه الخلاف فيما لو قال هذه داري أسكنت فيها فلاناً ثم أخرجته منها فهو إقرار باليد على الأصح لأنه اعترف بثبوتها وادعى زوالها وقال أبو علي الزجاجي ليس بإقرار لأنه لم يعترف بيد فلان إلا من جهته ولو قال ملكتها من زيد فهو إقرار بملكها لزيد ودعوى انتقالها منه فإن لم يصدقه زيد لزمه ردها إليه‏.‏

قلت ولو قال ملكتها على يد زيد لم يكن إقراراً له بها لأن معناه كان زيد وكيلا قاله البغوي والله أعلم‏.‏

السابعة قال اقض الألف الذي لي عليك فقال نعم فإقرار على المذهب وتردد فيه بعضهم وإن قال أعط غداً أو ابعث من يأخذه أو أمهلني يوماً أو أمهلني حتى أصرف الدراهم أو أفتح الصندوق أو اقعد حتى تأخذ أو لا أجد اليوم أو لا تدم المطالبة أو ما أكثر ما تتقاضى أو والله لأقضينك فجميع هذه الصور إقرار عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأما أصحابنا فمختلفون في ذلك والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر ومثله أسرج دابة فلان هذه فقال نعم أو أخبرني زيد أن لي عليك ألفاً فقال نعم أو متى تقضي حقي فقال غداً‏.‏

الثامنة قال له رجل غصت ثوبي فقال ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك فليس بإقرار ولو قال ما لزيد علي أكثر من مائة درهم فليس بإقرار على الأصح وقيل تلزم المائة ولو قال معسر لزيد علي ألف إن رزقني الله تعالى مالا فقيل ليس بإقرار للتعليق وقيل إقرار وذلك بيان لوقت الأداء والأصح أنه يستفسر فإن فسر بالتأجيل صح وإن فسر بالتعليق لغا‏.‏

قلت وإن تعذر استفساره قال في العدة الأصح أنه إقرار والله أعلم‏.‏

التاسعة شهد عليه شاهد فقال هو صادق أو عدل فليس بإقرار وإن قال صادق فيما شهد به أو عدل فيه كان إقراراً قاله في التهذيب‏.‏

قلت في لزومه بقوله عدل نظر والله أعلم‏.‏

وإن قال إن شهد علي فلان وفلان أو شاهدان بكذا فهما صادقان فهو إقرار على الأظهر وإن لم يشهدا وإن قال إن شهدا صدقتهما فليس بإقرار قطعاً‏.‏

قلت في البيان أنه لو قال لي عليك ألف درهم فقال لزيد علي أكثر مما لك لا شيء عليه لواحد منهما ولو قال لي مخرج من دعواك فليس بإقرار قال ولو قال لي عليك ألف أقرضتكه فقال والله لا اقترضت منك غيره أو كم تمن به قال الصميري هو إقرار وإن قال ما أعجب هذا أو نتحاسب فليس بإقرار وإن كتب لزيد علي ألف درهم ثم قال للشهود اشهدوا علي بما فيه فليس بإقرار كما لو كتب عليه غيره فقال اشهدوا بما كتب وقد وافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه على الثانية دون الأولى ووافق أيضاً على ما لو كتب ذلك على الأرض ولو قال له علي ألف إن مت فليس بإقرار كما لو قال إن قدم زيد ووافق أبو حنيفة رضي الله عنه على الثانية دون الأولى ولو قال له علي ألف إلا أن يبدو لي فوجهان حكاهما في العدة والبيان ولعل الأصح أنه إقرار والله أعلم‏.‏

العاشرة إقرار أهل كل لغة بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيح ولو أقر عجمي بالعربية وقال لم أفهم معناه بل لقنت فتلقنت صدق بيمينه إن كان ممن يجوز أن لا يعرفه وكذا الحكم في جميع العقود والحلول‏.‏

الحادية عشرة لو أقر ثم قال كنت يوم الإقرار صغيراً وهو محتمل صدق بيمينه لأن الأصل الصغر وكذا لو قال كنت مجنوناً وقد عهد له جنون ولو قال كنت مكرهاً وهناك أمارة الإكراه من حبس أو موكل عليه فكذلك فإن لم تكن أمارة لم يقبل قوله والأمارة إنما تثبت باعتراف المقر له أو بالبينة وإنما يؤثر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل أما إذا كان في حبس زيد فلا يقدح ذلك في الإقرار لعمرو‏.‏

الثانية عشرة إذا شهد الشهود وتعرضوا لبلوغه وصحة عقله واختياره فادعى المقر خلافه لم يقبل لما فيه من تكذيب الشهود ولا يشترط في الشهادة التعرض للبلوغ والعقل والطواعية والحرية والرشد ويكتفى بأن الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح وفي قول يشترط التعرض لحرية مجهول الحرية وخرج منه اشتراط التعرض لسائر الشروط والمذهب الصحيح الأول قاله الأصحاب وما يكتب في الوثائق أنه أقر طائعاً في صحة عقله وبلوغه احتياط ولو تقيدت شهادة الإقرار بكونه طائعاً وأقام الشهود عليه بينة بكونه كان مكرهاً قدمت بينة الإكراه ولا تقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً بل لا بد من التفصيل‏.‏

 الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

يصح الإقرار بالمجمل وهو المجهول للحاجة وسواء أقر به ابتداء أو جواباً عن دعوى معلومة بأن قال لي عليك ألف فقال لك علي شيء والألفاظ التي تقع فيها الجهالة لا تنحصر وبين الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم ما كثر استعماله ليعرف ويقاس عليه غيره وألفاظ الباب سبعة أضرب‏.‏

الضرب الأول شيء فإذا قال له علي شيء طلبنا تفسيره فإن فسره بما يتمول قبل كثر أم قل كرغيف وفلس وتمرة حيث يكون لها قيمة وإن فسره بما لا يتمول لكنه من جنس ما يتمول كحبة حنطة أو شعير أو قمع باذنجانة فوجهان أحدهما لا يقبل تفسيره لأنه لا يصح التزامه كما لا تصح الدعوى به وأصحهما القبول لأنه شيء يحرم أخذه ويجب على آخذه رده وقولهم لا تصح الدعوى به ممنوع والتمرة أو الزبيبة حيث لا قيمة لها على الوجهين وقيل يقبل قطعاً وإن لم يكن من جنس ما يتمول فإما أن يجوز اقتناؤه لمنفعته وإما لا فالأول كالكلب المعلم والسرجين وجلد الميتة القابل للدباغ والكلب القابل للتعليم والخمر المحترمة فيقبل التفسير به على الأصح وأما الثاني فكالخنزير وجلد الكلب والكلب الذي لا نفع فيه والخمر غير المحترمة فلا يقبل تفسيره به على الأصح ولو فسره بوديعة قبل على الصحيح لأن عليه ردها عند الطلب وقد يتعدى فتصير مضمونة وقيل لا لأنها في يده لا عليه ولو فسر بحق الشفعة قبل ولو فسره برد السلام والعيادة لم يقبل قال البغوي ولو قال له حق قبل تفسيره بهما وفيه نظر‏.‏

قلت ولو فسر الشيء بحد قذف قبل على الأصح والله أعلم‏.‏

فرع لو قال غصبت منه شيئاً قبل تفسيره ما يقبل في الصور إذا احتمله اللفظ احترازاً من الوديعة وحق الشفعة ويقبل بالخمر والخنزير نص عليه في الأم لأن الغصب لا يشعر بالتزام وثبوت مال وإنما يقتضي الأخذ بخلاف قوله علي ولو قال له عندي شيء وفسر بخمر أو خنزير قبل على قلت قال أصحابنا لو قال غصبتك أو غصبتك ما تعلم لم يلزمه شيء لأنه قد يغصبه نفسه فيحبسه ولو قال غصبتك شيئاً ثم قال أردت نفسك لم يقبل والله أعلم‏.‏

 فصل إذا أقر بمجمل

إما شيء وإما غيره مما سنذكره إن شاء تعالى وطالبناه بالتفسير فامتنع فأربعة أوجه أصحها نحبسه كحبسنا من امتنع من أداء الحق لأن التفسير واجب عليه والثاني لا يحبس بل ينظر إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع من التفسير جعل منكراً وتعرض اليمين عليه فإن أصر جعل ناكلا وحلف المدعي وإن أقر ابتداء قلنا للمقر له ادع عليه حقك فإذا ادعى وأقر بما ادعاه أو أنكر أجرينا عليه حكمه وإن قال لا أدري جعلناه منكراً فإن أصر جعلناه ناكلا لأنه إذا أمكن حصول الغرض بلا حبس لا يحبس والثالث إن أقر بغصب وامتنع من بيان المغصوب حبس وإن أقر بدين مبهم فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني والرابع إن قال علي شيء وامتنع من التفسير لم يحبس وإن قال علي ثوب أو فضة ولم يبين حبس قاله أبو عاصم العبادي وأشار في شرح كلامه إلى أن الفرق مبني على قبول تفسير الشيء بالخمر ونحوه فإنه لا يتوجه بذلك مطالبة وحبس‏.‏

إذا فسر المبهم بتفسير صحيح وصدقه المقر له فذاك وإلا فليبين جنس الحق وقدره وليدعه والقول قول المقر في نفيه ثم إن كان من جنسه بأن فسر بمائة درهم وقال المقر له لي عليك مائتان فإن صدقه على إرادة المائة فهي ثابتة باتفاقهما ويحلف المقر على نفي الزيادة وإن قال أراد به المائتين حلف المقر أنه ما أراد المائتين وأنه ليس عليه إلا مائة ويجمع بينهما بيمين واحدة على الصحيح وقال ابن المرزبان لا بد من يمينين فلو نكل حلف المقر له على استحقاق المائتين ولا يحلف على الإرادة لأنه لا إطلاع له عليها بخلاف ما إذا مات المقر وفسر الوارث فادعى المقر له زيادة فيحلف الوارث على نفي إرادة المورث لأنه قد يطلع من حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره قال البغوي ومثله لو أوصى بمجمل ومات ففسره الوارث وزعم الموصى له أنه أكثر يحلف الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة ولا يتعرض للإرادة والفرق أن الإقرار إخبار عن حق سابق وقد يطلع عليه والوصية إنشاء أمر على الجهالة وبيانه إذا مات الموصي إلى الوارث وأما إذا كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به المقر فينظر إن صدقه في الإرادة فقال هو ثابت لي عليه ولي عليه مع ذلك كذا ثبت المتفق عليه والقول قول المقر في نفي غيره وإن صدقه في الإرادة وقال ليس لي عليه ما فسر به إنما لي عليه كذا بطل حكم الإقرار برده وكان مدعياً عليه في غيره وإن كذبه في دعوى الإرادة وقال إنما أراد ما ادعيته حلف المقر على نفي الإرادة وبقي ما يدعيه ثم إن كذبه في استحقاق المقر به بطل الإقرار فيه وإلا فيثبت ولو اقتصر المقر له على دعوى الإرادة وقال ما أردت بكلامك ما فسرته به وإنما أردت كذا إما من جنس المقر به وإما من غيره لم يسمع منه لأن الإقرار والإرادة لا يثبتان حقاً له بل الإقرار إخبار عن سابق فعليه أن يدعي الحق نفسه قال الإمام وفيه وجه ضعيف أنه تقبل دعوى الإرادة المجردة وهو كالخلاف في أن من ادعى على خصمه أنه أقر له بألف درهم هل تسمع أم عليه أن يدعي نفس الألف أما إذا ضم إلى الإرادة دعوى الاستحقاق فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل المذكور واتفقت الطرق عليه‏.‏

فرع موت المبهم قبل التفسير مات المبهم قبل التفسير طولب به الوارث فإن امتنع فقولان أحدهما يوقف مما ترك أقل ما يتمول وأظهرهما يوقف الجميع لأنه مرتهن بالدين‏.‏

الضرب الثاني مال فإذا قال له علي مال قبل تفسيره بأقل ما يتمول ولا يقبل بما ليس بمال كالكلب وجلد الميتة قال الإمام والوجه القبول بالتمرة الواحدة حيث يكثر لأنه مال وإن لم يتمول في ذلك الموضع هكذا ذكره العراقيون وقالوا كل متمول مال ولا ينعكس وتلتحق حبة الحنطة بالتمرة وفي قبول التفسير بالمستولدة وجهان أصحهما القبول وإن فسره بوقف عليه فيشبه أن يخرج على الخلاف في الملك في رقبة الوقف هل هو للموقوف عليه فرع إذا قال له علي مال عظيم أو كثير أو كبير أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأي مال قبل في تفسيره بأقل ما يتمول لأنه يحتمل أن يريد عظيم خطره بكفر مستحله وإثم غاصبه وقد قال الشافعي رضي الله عنه أصل ما أبني عليه الإقرار أن لا ألزم إلا اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة‏.‏

وحكي وجه غريب أنه يجب أن يزيد تفسير مال عظيم على تفسير مطلق المال ليكون لوصفه بالعظم فائدة ولو قال مال حقير أو قليل أو خسيس أو طفيف أو تافه أو نزر أو يسير فهو كقوله مال وتحمل هذه الصفات على احتقار الناس إياه أو على أنه فإن‏.‏

فرع قال لزيد علي مال أكثر من مال فلان يقبل تفسيره بأقل متمول وإن كثر مال فلان لأنه يحتمل أنه أكثر لكونه حلالاً وذلك حرام أو نحوه‏.‏

وكما أن القدر مبهم فكذلك الجنس والنوع ولو قال له علي من الذهب أكثر من مال فلان عدداً والإبهام في الجنس والنوع ولو قال له علي من الذهب أكثر من مال فلان فالإبهام في القدر والنوع ولو قال من صحاح الذهب فالإبهام في القدر وحده ولو قال لزيد علي مال أكثر مما شهد به الشهود على فلان قبل في تفسيره بأقل متمول لاحتمال أن يعتقدهم شهود زور ويقصد أن القليل الحلال أكثر بركة من كثير يؤخذ بالباطل ولو قال أكثر مما قضى به القاضي على فلان فوجهان أحدهما يلزم القدر المقضي به لأن قضاء القاضي محمول على الحق وأصحهما أنه كالشهادة فيقبل أقل متمول لأنه قد يقضي بشهادة كاذبين ولو قال لزيد علي أكثر مما في يد فلان قبل أقل متمول ولو قال له علي أكثر مما في يد فلان من الدراهم لم يلزمه التفسير بجنس الدراهم لكن يلزم بذلك العدد من أي جنس فسر وزيادة أقل متمول كذا قاله في التهذيب وهو مخالف ما سبق من وجهين أحدهما إلزام ذلك العدد والثاني إلزام زيادة لأن التأويل الذي ذكرناه للأكثرية بنفيهما جميعاً ولو قال له علي من الدراهم أكثر مما في يد فلان من الدراهم وكان في يد فلان ثلاثة دراهم قال البغوي يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة أقل ما يتمول والأصح ما نقله الإمام أنه لا يلزمه زيادة حملا للأكثر على ما سبق وحكى عن شيخه أنه لو فسره بما دون الثلاثة قبل أيضاً ولو كان في يده عشرة دراهم وقال المقر لم أعلم وظننتها ثلاثة قبل قوله بيمينه‏.‏

الضرب الثالث كذا فإذا قال لزيد علي كذا فهو كقوله له شيء ولو قال كذا كذا فهو كقوله كذا والتكرار للتأكيد ولو قال كذا وكذا لزمه التفسير بشيئين متفقين أو مختلفين بحيث يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا وهكذا الحكم فيما لو قال علي شيء شيء أو شيء وشيء ولو قال كذا درهم يلزمه درهم فقط وكان الدرهم تفسير ما أبهمه وفي وجه لأبي اسحق يلزمه عشرون درهماً إن كان يعرف العربية لأنه أول اسم مفرد ينتصب الدرهم المفسر بعده والصحيح المعروف هو الأول وأجاب الأصحاب بأن في تفسير المبهم لا ينظر إلى الإعراب ولهذا لو قال علي كذا درهم صحيح لا يلزمه مائة درهم بالاتفاق وإن كان ذلك مقتضاه بالعربية ولو قال كذا درهم من غير صفة الصحة لزمه أيضاً درهم على الصحيح وقيل بعض درهم ولو قال كذا درهم بالرفع لزمه درهم بلا خلاف‏.‏

ولو قال كذا درهم ووقف عليه ساكناً فكالمخفوض‏.‏

ولو قال كذا كذا درهماً لزمه درهم فقط على الصحيح وقال أبو إسحاق يلزمه أحد عشر درهماً إن عرف العربية ولو قال كذا كذا درهم أو درهم لزمه درهم فقط ويجيء في المخفوض الوجه السابق ببعض درهم ولو قال كذا وكذا درهماً لزمه درهمان على المذهب وفي قول درهم وفي قول درهم وشيء وفي وجه لأبي إسحاق أحد وعشرون درهماً إن عرف العربية ولو قال كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم فقط على المذهب وقيل قولان ثانيهما درهمان ولو قال كذا وكذا درهم بالخفض لزمه درهم فقط ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شيء وبعض درهم أو لا يلزمه إلا بعض درهم ولو قال كذا وكذا وكذا درهماً فإن قلنا إذا كرر مرتين يلزمه درهمان لزمه هنا ثلاثة وإن قلنا درهم فكذا هنا‏.‏

 فصل قال له علي ألف ودرهم

أو ودراهم أو ألف وثوب أو ألف وعبد فله تفسيره بغير جنس ما عطف عليه ولو قال له خمسة عشر درهماً فكلها دراهم ولو قال خمسة وعشرون درهماً فكلها دراهم على الصحيح وقال ابن خيران والاصطخري العشرون دراهم والخمسة مجملة تفسرها وعلى هذا الخلاف قوله مائة وخمسة وعشرون درهماً وقوله ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً وكذا قوله ألف وثلاثة أثواب وقوله مائة وأربعة دنانير وقوله مائة ونصف درهم ولو قال درهم ونصف أو عشرة دراهم ونصف فالكل دراهم على الصحيح الذي قاله الأكثرون لأنه المعروف في الاستعمال وقال الاصطخري وجماعة النصف مجملة‏.‏

ولو قال نصف ودرهم فالنصف مجمل ولو قال مائة وقفيز حنطة فالمائة مجملة بخلاف قوله مائة وثلاثة دراهم لأن الدراهم تصلح تفسيراً للكل والحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة لأنه لا يصح أن يقال مائة حنطة ولو قال علي ألف درهم برفعهما وتنوينهما فسر الألف بما لا ينقص قيمته عن درهم كأنه قال الألف مما قيمة الألف منه درهم‏.‏

الضرب الرابع درهم قد ذكرنا في الزكاة أن دراهم الإسلام المعتبر بها نصب الزكاة والديات وغيرها كل عشرة منها سبعة مثاقيل وكل درهم ستة دوانيق ونزيد الآن أن الدانق ثمان حبات وخمساً حبة فيكون الدرهم خمسين حبة وخمسي حبة والمراد حبة الشعير المتوسطة التي لم تقشر لكن قطع من طرفيها ما دق وطال والدينار اثنان وسبعون حبة منها هكذا نقل عن رواية أبي القاسم بن سلام وحكاه الخطابي عن ابن سريج وفي الحلية للروياني أن الدانق ثمان حبات فيكون الدرهم ثمانية وأربعين حبة فإذا قال له علي درهم أو ألف درهم ثم قال هي ناقصة نظر إن كان في بلد دراهمه تامة وذكره متصلاً قبل على المذهب كما لو استثنى وقال ابن خيران في قبوله قولان بناء على تبعيض الإقرار وإن كان ذكره منفصلا لم يقبل ولزمه دراهم الإسلام إلا أن يصدقه المقر له لأن لفظ الدرهم صريح فيه وضعاً وعرفاً واختار الروياني أنه يقبل لأن اللفظ يحتمله والأصل براءة ذمته وحكاه عن جماعة من الأصحاب وهو شاذ وإن كان في بلد دراهمه ناقصة قبل إن ذكره متصلاً قطعاً وكذا إن ذكره منفصلاً على الأصح المنصوص ويجري هذا الخلاف فيمن أقر في بلد وزن دراهمه أكثر من دراهم الإسلام مثل غزنة هل يحمل على دراهم البلد أو الإسلام فإن قلنا بالأول فقال عنيت دراهم الإسلام منفصلا لم يقبل وإن كان متصلا فعلى الطريقين والمذهب القبول‏.‏

فرع الدرهم عند الإطلاق إنما يستعمل في النقرة فلو أقر بدراهم وفسرها بفلوس لم يقبل وإن فسرها بمغشوشة فكالتفسير بالناقصة لأن نقرتها تنقص عن التامة فيعود فيه التفصيل في الناقصة ولو فسر بجنس رديء من الفضة أو قال أردت من سكة كذا وهي جارية في ذلك البلد قبل كما لو قال له علي ثوب ثم فسره برديء أو بما لا يعتاد أهل البلد لبسه بخلاف ما لو فسر بناقصة لأنه يرفع شيئاً مما أقر به ويخالف البيع فإنه يحمل على سكة البلد لأنه إنشاء معاملة والغالب أن المعاملة في كل بلد بما يروج فيه والإقرار إخبار عن حق سابق وربما ثبت في ذمته ببلد آخر فوجب قبول تفسيره وقال المزني لا يقبل تفسيره بغير سكة البلد ووافقه غيره من أصحابنا‏.‏

فرع إذا قال له علي درهم أو دريهمات أو درهم صغير أو ففيه اختلاف كثير والأصح أنه كقوله درهم أو دراهم فيعود في تفسيره بالنقص التفصيل السابق وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان لأن لفظ الدراهم صريح في الوزن والوصف بالصغير يجوز أن يكون في الشكل ويجوز بالإضافة إلى غيرها وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه يلزمه من الدراهم الطبرية وهي أربعة دوانيق ولم يفرقوا بين بلد وبلد لأن ذلك المتيقن ولو قال درهم كبير فالمذهب أنه كقوله درهم وقال البغوي إن كان في بلد أوزانهم ناقصة أو تامة لزمه درهم الإسلام وإن كانت أوزانهم زائدة لزمه من نقد البلد وفي إلزامه نقد البلد إشكال‏.‏

فرع إذا قال علي دراهم لزمه ثلاثة ولا يقبل تفسيره بأقل منها ولو قال دراهم عظيمة أو كثيرة فثلاثة ويجيء فيه الوجه السابق في مال عظيم ولو قال علي أقل أعداد الدراهم لزمه درهمان ولو قال مائة درهم عدد لزمه مائة درهم بوزن الإسلام صحاح قال في التهذيب ولا يشترط أن يكون كل واحد ستة دوانيق وكذلك في البيع ولا يقبل مائة بالعدد ناقصة الوزن إلا أن يكون نقد البلد عددية ناقصة فظاهر المذهب القبول ولو قال علي مائة عدد من الدراهم اعتبر العدد دون

 فصل قال علي من درهم إلى عشرة

لزمه تسعة على الأصح عند العراقيين والغزالي وقيل عشرة وصححه البغوي وقيل ثمانية كما لو قال بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار لا يدخل الجداران في البيع واحتج الشيخ أبو حامد للأول بأنه لو قال لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة تدخل الأولى في الإقرار دون الأخيرة وفيما قاله نظر وينبغي أن لا تدخل الأولى أيضاً كقوله بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار ولو قال ما بين درهم إلى عشرة فالصحيح المشهور أنه يلزمه ثمانية وهو نصه وقيل تسعة ونقله في المفتاح عن نصه وقيل عشرة حكاه أبو خلف السلمي عن القفال ولم يفرقوا بين قوله ما بين درهم إلى عشرة وقوله ما بين درهم وعشرة وربما سووا بينهما ويجوز أن يفرق فيقطع بالثمانية في الصيغة الأخيرة‏.‏

قلت القطع بالثمانية هو الصواب وقول الإمام الرافعي رحمه الله لم يفرقوا غير مقبول فقد فرق القاضي أبو الطيب في تعليقه فقطع بالثمانية في قوله ما بين درهم وعشرة وذكر الأوجه فيما بين درهم إلى عشرة والله أعلم‏.‏

 فصل قال له علي درهم في عشرة

إن أراد الظرف لزمه درهم وإن أراد الحساب فعشرة وإن أراد بفي مع لزمه أحد عشر وإن أطلق فدرهم وحكي قول في مثله في الطلاق أنه يحمل على الحساب وهو جار هنا‏.‏

الضرب الخامس الظرف الأصل في هذا أن الإقرار بالظروف ليس إقراراً بالمظروف وكذا عكسه ودليله البناء على اليقين أما إذا قال له عندي زيت في جرة أو سيف في غمد أو ثوب في منديل أو تمر في جراب أو لبن في كوز أو طعام في سفينة أو غصبته زيتاً في جرة فهو مقر بالمظروف فقط ولو قال له عندي غمد فيه سيف وجرة فيها زيت وجراب فيه تمر وسفينة فيها طعام فإقرار بالظرف فقط ولو قال فرس في إسطبل أو حمار على ظهره إكاف أو دابة عليها سرج أو زمام وعبد على رأسه عمامة أو في وسطه منطقة أو في رجله خف أو عليه قميص فإقرار بالدابة والعبد فقط ولو قال عمامة على رأس عبد أو سرج على ظهر دابة فإقرار بالعمامة والسرج فقط وقال صاحب التلخيص إذا قال عبد على رأسه عمامة أو في رجله خف فإقرار بهما مع العبد وجمهور الأصحاب على ما سبق ولو قال دابة مسروجة أو دار مفروشة لم يكن مقراً بالسرج والفرش بخلاف ما لو قال بسرجها وبفرشها وبخلاف ما لو قال ثوب مطرز لأن الطراز جزء من الثوب وقيل إن ركب فيه بعد النسج فعلى وجهين مذكورين في أخوات المسألة ولو قال في خاتم فإقرار بالفص فقط ولو قال خاتم فيه ففي كونه مقراً أيضاً بالفص وجهان قال البغوي أصحهما المنع ولو اقتصر على قوله عندي له خاتم ثم قال بعد ذلك ما أردت الفص لم يقبل منه على المذهب بل يلزمه الخاتم بفصه لأن الخاتم تناولهما فلا يقبل رجوعه عن بعض ما تناوله الإقرار وحكى الغزالي فيه وجهين ولو قال حمل في ببطن جارية لم يكن مقراً بالجارية وكذا بطن نعل في حافر دابة وعروة على قمقمة‏.‏

ولو قال جارية في بطنها حمل ودابة في حافرها نعل وقمقمة عليها عروة فوجهان كقوله خاتم في فص ولو قال هذه الجارية لفلان وكانت حاملا لم يدخل الحمل في الإقرار على الأصح لأنه إخبار فكان على حسب إرادة المخبر بخلاف البيع فإن الحمل يدخل فيه ولو قال له هذه الجارية إلا حملها لم يدخل الحمل قطعاً ولو قال ثمرة على شجرة لم يكن مقراً بالشجرة ولو قال شجرة عليها ثمرة بني على أن الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة وهي لا تدخل بعد التأبير على الصحيح ولا قبله على الأصح وبه قطع البغوي لأن الاسم لا يتناولها لغة بخلاف البيع فإنه ينزل على المعتاد وذكر القفال وغيره في ضبط الباب أن ما دخل تحت البيع المطلق دخل تحت الإقرار وما لا فلا وما ذكرنا في المسائل يقتضي أن يقال في الضبط ما لا يتبع في البيع ولا يتناوله الاسم لم يدخل وما يتبع ويتناوله الاسم دخل وما يتبع ولم يتناوله الاسم فوجهان‏.‏

إذا قال له علي ألف في هذا الكيس لزمه سواء كان فيه ألف لم يكن فيه شيء أصلا لأن قوله علي يقتضي اللزوم ولا يكون مقراً بالكيس كما سبق فإن كان فيه دون الألف فوجهان قال أبو زيد لا يلزمه إلا ذلك القدر وقال القفال يلزمه الإتمام وهذا أصح ولو قال علي الألف الذي في هذا الكيس وكان فيه دون الألف لم يلزمه الإتمام على الصحيح وإن لم يكن فيه شيء فوجهان ويقال قولان بناء على ما لو حلف ليشربن ماء هذا الكوز ولا ماء فيه هل تنعقد يمينه ويحنث أم لا‏.‏

قلت ينبغي أن يكون الراجح أنه لا يلزمه لأنه لم يعترف بشيء في ذمته والله أعلم‏.‏

 فصل لو قال لفلان في هذا العبد ألف درهم

فهذا لفظ مجمل فيسأل فإن قال أردت أنه جني عليه أو على ماله جناية أرشها ألف قبل ويعلق الأرش برقبته وإن قال أردت أنه رهن عنده بألف علي فوجهان أحدهما لا يقبل لأن اللفظ يقتضي كون العبد محلا للألف ومحل الدين الذمة لا المرهون فعلى هذا إذا نازعه المقر له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير وطالبناه للإقرار المجمل بتفسير صالح وأصحهما القبول لأن الدين وإن كان في الذمة فله تعلق ظاهر بالمرهون وإن قال أردت أنه وزن في ثمنه ألفاً قيل له هل وزنت في ثمنه شيئاً فإن قال لا فالعبد كله للمقر له وإن قال نعم سئل عن كيفية الشراء أكان دفعة واحدة أم لا فإن قال دفعة سئل ما قدر ما وزن فإن قال وزنت ألفاً أيضاً فالعبد بينهما نصفان وإن قال ألفين فله ثلثا العبد وللمقر له ثلاثة وعلى هذا القياس ولا نظر إلى قيمة العبد وإن قال اشتريناه دفعتين ووزن هو في ثمن عشره مثلا ألفاً واشتريت أنا تسعة أعشاره بألف قبل قوله لأنه محتمل وإن قال أردت أنه أوصي له من ثمنه بألف قبل وبيع ودفع إليه من ثمنه ألف وليس له دفع الألف من ماله ولو قال دفع إلي الألف لأشتري له العبد ففعلت فإن صدقه المقر له فالعبد له وإن كذبه فقد رد إقراره بالعبد وعليه رد الألف الذي أخذ وإن قال أردت أنه أقرضني ألفاً فصرفته إلى ثمنه قبل ولزمه الألف وتوجيه الخلاف إذا أقر برهنه يقتضي عوده هنا ولو قال له من هذا العبد ألف درهم فهو كقوله في هذا العبد ولو قال من ثمن هذا العبد فكذلك قاله في التهذيب وجميع ما ذكرناه في هذا الفصل هو فيما إذا اقتصر على قوله له في هذا العبد ولم يقل علي فإن قال علي كان التزاماً بكل حال كما سنذكره إن شاء الله تعالى في آخر الفصل الذي بعد هذا‏.‏

فرع قلت وإن لم ينو شيئاً لزمه درهم فقط والله أعلم‏.‏

 فصل قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر

لو قال له في ميراث أبي ألف درهم كان مقراً على أبيه بدين ولو قال له في ميراثي من أبي ألف درهم كان هبة إلا أن يريد إقراراً قال الأصحاب النصان على ظاهرهما وعن صاحب التقريب إشارة إلى التسوية كأنه نقل وخرج والمذهب الفرق ومثله لو قال له في هذه الدار نصفها فهو إقرار ولو قال في داري نصفها فهو وعد هبة نص عليهما ولو قال له في مالي ألف درهم كان إقراراً ولو قال له من مالي ألف درهم كان وعد هبة نص عليهما واختلف الأصحاب في قوله له في مالي ألف فقيل قولان أحدهما هو وعد هبة والثاني إقرار وقيل هبة قطعاً وحملوا النص على خطأ الناسخ وربما أولوه على ما لو أتى بصيغة التزام فقال علي في مالي فإنه إقرار كما سنذكره إن شاء الله تعالى وإذا أثبتنا الخلاف فعن الشيخ أبي علي طرده فيما إذا قال في داري نصفها وامتنع من طرده فيما إذا قال في ميراثي من أبي وعن صاحب التقريب وغيره طرده فيه بطريق الأولى لأن قوله في ميراثي من أبي أولى بأن يجعل إقرارا من قوله في مالي أو في داري لأن التركة مملوكة للورثة مع تعلق الدين بها فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدين بخلاف المال والدار وأما فرقه في النص الأخير بين في ومن فمن الأصحاب من قال لا فرق ولم يثبت هذا النص أو أولوه ومنهم من فرق بأن في يقتضي كون مال المقر ظرفاً لمال المقر له وقوله من ما لي يقتضي التبعيض وهو ظاهر في الوعد بأنه يقطع له شيئاً من ماله وإذا فرقنا بينهما لزمه مثله في الميراث قطعاً والمذهب أنه لا فرق بينهما وأن الحكم في قوله في مالي كما ذكرنا أولا في ميراثي واستبعد الإمام تخريج الخلاف في قوله له في داري نصفها لأنه إذا أضاف الكل إلى نفسه لم ينتظم منه الإقرار ببعضه كما لا ينتظم الإقرار بكله في قوله داري لفلان وخصص طريقة الخلاف بما إذا لم يكن المقر به جزءا من مسمى ما أضافه إلى نفسه كقوله في مالي ألف أو في داري ألف وحيث قلنا في هذه الصور إنه وعد هبة لا إقرار فذلك إذا لم يذكر كلمة الالتزام فأما إذا ذكرها بأن قال علي ألف درهم في هذا المال أو في مالي أو في ميراثي من أبي أو في ميراث أبي أو في داري أو في عبدي أو هذا العبد فهو إقرار بكل حال ولو قال له في ميراثي من أبي أو في مالي بحق لزمني أو بحق ثابت وما أشبهه فهو إقرار بكل حال كما لو قال علي ذكره ابن القاص والشيخ أبو حامد وغيرهما واعلم أن مقتضى قولنا في قوله علي في هذا المال أو في هذا العبد ألف درهم هو إقرار أنه يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفاً بخلاف ما إذا قال له علي ألف في هذا الكيس وكان فيه دون الألف فإن فيه خلافاً سبق فإن ظرفية العبد للدراهم ليست كظرفية الكيس لها لكن لو قال له في هذا العبد ألف من غير كلمة علي وفسره بأنه أوصى له بألف من ثمنه فلم يبلغ ثمنه ألفاً لم يجب عليه تتميم الألف بحال‏.‏

قلت‏:‏ الضرب السادس التأكيد والعطف ونحوهما وفيه مسائل‏.‏

إحداها قال علي درهم درهم درهم لزمه درهم فقط وكذا لو كرره هكذا ألف مرة فأكثر ولو قال درهم ودرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان للمغايرة ولو قال درهم ودرهم ودرهم لزمه بالأول والثاني درهمان وأما الثالث فإن أراد به درهماً آخر لزمه وإن قال أردت به تأكيد الثاني قبل ولزمه درهمان فقط وإن قال أردت به تأكيد الأول لم يقبل على الأصح فيلزمه ثلاثة وإن أطلق لزمه ثلاثة على المذهب وبه قطع الأكثرون وقال ابن خيران فيه قولان كالطلاق ثانيهما درهمان فعلى المذهب لو كرره عشر مرات فأكثر لزمه بعدد ما كرر ولو قال علي درهم ثم درهم ثم درهم فهو كقوله درهم ودرهم ودرهم ولو قال درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة بكل حال‏.‏

الثانية قال علي درهم مع درهم أو معه درهم أو فوق درهم أو فوقه درهم أو تحت درهم أو تحته درهم أو علي درهم أو عليه درهم فالمذهب والمنصوص والذي قطع به الأكثرون أنه يلزمه درهم وقيل قولان ثانيهما درهم وقال الداركي مع الهاء درهمان وبحذفها درهم ولو قال له علي درهم قبل درهم أو قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان على المذهب والمنصوص وبه قطع الأكثرون وقيل قولان ثانيهما درهم وقال ابن خيران وغيره مع الهاء درهمان وبحذفها درهم‏.‏

الثالثة قال له علي أو عندي درهم فدرهم إن أراد العطف لزمه درهمان وإلا فالنص لزوم درهم فقط ونص في أنت طالق فطالق أنه طلقتان وقال ابن خيران فيهما قولان أحدهما درهمان وطلقتان والثاني درهم وطلقة والمذهب الذي قطع به الأكثرون تقرير النصين ولو قال درهم فقفيز حنطة فهل يلزمه درهم فقط أم يلزمانه جميعاً فيه هذا الخلاف وذكر أبو العباس الروياني أن قياس ما ذكرنا في الطلاق أنه إذا قال بعتك بدرهم فدرهم يكون بائعاً بدرهمين لأنه إنشاء لا إخبار‏.‏

الرابعة إذا قال علي درهم بل درهم لزمه درهم فقط ولو قال درهم لا بل درهم ولكن درهم فكذلك ولو قال درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لزمه درهمان أو قفيزان فقط هذا إذا لم يعين فأما إن قال له عندي هذا القفيز بل هذان القفيزان فيلزمه الثلاثة لأن المعين لا يدخل في المعين وكذا لو اختلف جنس الأول والثاني مع عدم التعيين بأن قال درهم بل ديناران أو قفيز حنطة بل قفيزاً شعير لزمه الدرهم والديناران وقفيز الحنطة وقفيزاً الشعير ولو قال درهمان بل درهم أو عشرة بل تسعة لزمه الدرهمان والعشرة لأن الرجوع عن الأكثر لا يقبل ويدخل فيه الأقل ولو قال دينار بل ديناران بل ثلاثة لزمه ثلاثة ولو قال دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان لزمه ديناران وقفيزان ولو قال دينار وديناران بل قفيز وقفيزان لزمه ثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة وقس عليه ما شئت‏.‏

الضرب السابع التكرار القول الجملي فيه أن تكرر الإقرار لا يقتضي تكرر المقر به لأن الإقرار إخبار وتعدد الخبر لا يقتضي تعدد المخبر عنه فينزل على واحد إلا إذا عرض ما يمنع من ذلك فيحكم بالمغايرة فإذا أقر لزيد يوم السبت بألف ويوم الأحد بألف لزمه ألف فقط سواء وقع الإقراران في مجلس أو مجلسين وسواء كتب به صحاً وأشهد عليه شهوداً على التعاقب أو كتب صحاً بألف وأشهد عليه ثم كتب صكا بألف وأشهد عليه ولو أقر في يوم بألف وفي آخر بخمسمائة دخل الأقل في الأكثر ولو أقر يوم السبت بألف من ثمن عبد ويوم الأحد بألف من ثمن جارية أو قال مرة صحاح ومرة مكسرة لزمه ألفان وكذا لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة ثم قال قبضت منه يوم الأحد عشرة أو طلقها يوم السبت طلقة ثم قال طلقتها يوم الأحد طلقتين ولو أضاف أحد الإقرارين إلى سبب أو وصف الدراهم بصفة وأطلق الإقرار الآخر نزل المطلق على المضاف لا مكانه‏.‏

فرع لو شهد عدل أنه أقر يوم السبت بألف أو بغصب دار أقر يوم الأحد بألف أو بغصب تلك الدار لفقنا الشهادتين واعتبرنا الألف والغصب لأن الإقرار لا يوجب حقاً بنفسه وإنما هو إخبار عن ثابت فينظر إلى المخبر عنه وإلى اتفاقهما على الإخبار عنه وكذا لو شهد أحدهما على إقراره بألف بالعربية والآخر على إقراره بألف بالعجمية ولو شهد عدل أنه طلقها يوم السبت وآخر أنه طلقها يوم الأحد لم يثبت بشهادتهما شيء لأنهما لا يتفقان على شيء وليس هو إخباراً حتى ينظر إلى المقصود المخبر عنه وقيل في الإقرارين والطلاقين قولان بالنقل والتخريج قال الإمام أما التخريج من الطلاق إلى الإقرار فقريب في المعنى وإن بعد في النقل لأن الشاهدين لم يشهدا على شيء واحد بل شهد هذا على إقرار وذاك على إقرار آخر والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثق وأما التخريج من الإقرار إلى الطلاق فبعيد نقلا ومعنى لأن من طلق اليوم ثم طلق غدا والمرأة رجعية وزعم أنه أراد طلقة واحدة لم يقبل منه فكيف يجمع بين شهادة شاهد على طلاق اليوم وشاهد على طلاق الغد ويجري التخريج على ضعفه في سائر الإنشاءات وفي الأفعال كالقتل والقبض وغيرهما والمذهب الأول حتى لو شهد أحدهما أنه قذف يوم السبت بالعربية والآخر أنه قذف يوم الأحد بالعجمية لم يثبت بشهادتهما شيء ولو شهد أحدهما على إقراره أنه يوم السبت قذفه أو قذفه بالعربية والآخر على إقراره أنه يوم الأحد قذفه بالعجمية لم يلفق أيضاً لأن المقر به شيئاًن مختلفان ولو شهد عدل بألف من ثمن مبيع وآخر بألف من قرض أو شهد أحدهما بألف اقترضه يوم السبت وآخر بألف اقترضه يوم الأحد لم يثبت بشهادتهما شيء لكن للمشهود له أن يعين أحدهما ويستأنف الدعوى به ويحلف مع الذي يشهد به وله أن يدعيهما ويحلف مع كل واحد من الشاهدين ولو كانت الشهادة على الإقرار فشهد أحدهما أنه أقر بألف من ثمن مبيع وشهد الآخر أنه أقر بألف من قرض لم يثبت الألف أيضاً على الصحيح ولو أدعى ألفاً فشهد أحدهما أنه ضمن الألف والآخر أنه ضمن خمسمائة ففي ثبوت خمسمائة قولان وهذا قريب من التخريج في الإنشاءات أو هو ولو شهد أحد شاهدي المدعى عليه أن المدعي استوفى الدين والآخر أنه أبرأه لم يلفق على المذهب ولو شهد الثاني أنه برئ إليه منه قال أبو عاصم العبادي يلفق وقيل بخلافه‏.‏

ادعى ألفين وشهد له عدل بألفين وآخر بألف ثبت الألف وله أن يحلف مع الشاهد بألفين ويأخذ ألفين وكذا الحكم لو كانت الشهادتان على الإقرار ولو شهد أحدهما بثلاثين والآخر بعشرين ثبتت العشرون كالألف مع الألفين وفي وجه ضعيف لا تثبت لأن لفظ الثلاثين لا يشمل العشرين ولفظ الألفين يشمل الألف فربما سمع أحدهما الألف وغفل عن آخره ولو ادعى ألفاً فشهد له عدل بألف وآخر بألفين فالثاني شهد بالزيادة قبل أن يستشهد وفي مصيره بذلك مجروحاً وجهان إن لم يصر مجروحا فشهادته بالزيادة مردودة وفي الباقي قولا تبعيض الشهادة وقطع بعضهم بثبوت الألف وخص الخلاف في التبعيض بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضي الرد كما إذا شهد لنفسه ولغيره فأما إذا زاد على المدعى به فقوله في الزيادة ليس شهادة بل هو كما لو أتى بالشهادة في غير مجلس الحكم وإن قلنا يصير مجروحاً قال البغوي يحلف مع شاهد الألف ويأخذه وقال الإمام إنه على هذا الوجه إنما يصير مجروحاً في الزيادة فأما الألف المدعى به فلا حرج في الشهادة عليه لكن إذا ردت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدعى به على قولي التبعيض فإن لم نبعضها فأعاد الشهادة بالألف قبلت لموافقتها الدعوى ولا يحتاج إلى إعادة الدعوى على الأصح‏.‏

إحداها أقر بجميع ما في يده وينسب إليه صح فلو تنازعا في شيء هل كان في يده حينئذ فالقول قول المقر وعلى الآخر البينة ولو قال ليس لي مما في يدي إلا ألف صح وعمل بمقتضاه ولو قال لا حق لي في شيء مما في يد فلان ثم ادعى شيئاً وقال لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار صدق بيمينه‏.‏

الثانية قال لفلان علي درهم أو دينار لزمه أحدهما وطولب بتعيينه وقيل لا يلزمه شيء وهو ضعيف جداً‏.‏

الثالثة قال له علي ألف أو على زيد أو على عمرو لم يلزمه شيء وكذا لو قال على سبيل الإقرار أنت طالق أو لا وإن ذكره في معرض الإنشاء طلقت كما لو قال أنت طالق طلاقاً لا يقع عليك‏.‏

الرابعة قال لزيد علي ألف درهم وإلا فلعمرو علي ألف دينار لزمه ألف درهم لزيد وكلامه الآخر للتأكيد‏.‏

الخامسة الإقرار المطلق ملزم ويؤاخذ به المقر على الصحيح المعروف وخرج وجه أنه لا يلزم حتى يسأل المقر عن سبب اللزوم لأن الأصل براءة الذمة والإقرار ليس موجباً في نفسه وأسباب الوجوب مختلف فيها وربما ظن ما ليس بموجب موجباً وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل وكما السادسة قال وهبت لك كذا وخرجت منه إليك فالأصح أن لا يكون مقراً بالاقباض لجواز أن يريد الخروج منه بالهبة وقال القفال والشاش هو إقرار بالإقباض لأنه نسب إلى نفسه ما يشعر بالاقباض بعد العقد المفروغ منه‏.‏

السابعة أقر الأب بعين مال لابنه فيمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع وهو الهبة فهل له الرجوع وجهان أحدهما نعم وبه أفتى القاضيان أبو الطيب والماوردي تنزيلا للإقرار على أضعف الملكين وأدنى السببين كما ينزل على أقل المقدارين والثاني لا قاله أبو عاصم العبادي لأن الأصل بقاء الملك للمقر له ويمكن أن يتوسط فيقال إن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن فالأمر على ما قال القاضيان وإن أقر بالملك المطلق فالأمر كما قال العبادي‏.‏

بالثامنة أقر في صك بأنه لا دعوى له على زيد ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا بسبب من الأسباب ثم قال إنما أردت به في عمامته وقميصه لا في داره وبستانه قال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف هذا موضع تردد والقياس قبوله لأن غايته تخصيص عموم وهو محتمل‏.‏

قلت هذا ضعيف وفاسد والصواب أنه لا يقبل في ظاهر الحكم لكن المختار أن له تحليف المقر له أنه لا يعلم أنه قصد ذلك ولعل هذا مراد القاضي والله أعلم‏.‏

المقر به المجهول قد يعرف بغير تفسير المقر بأن يحيله على معرف وهو ضربان‏.‏

أحدهما أن يقول له علي من الدراهم بوزن هذه الصنجة أو بعدد المكتوب في كتاب كذا أو بقدر ما باع به زيد عبده وما أشبه ذلك فيرجع إلى ما أحال عليه‏.‏

الضرب الثاني أن يذكر ما يمكن استخراجه بالحساب فمن أمثلته لزيد علي ألف إلا نصف ما لابنيه علي ولابنيه علي ألف إلا ثلث ما لزيد علي ولمعرفته طرق‏.‏

أحدها أن تجعل لزيد شيئاً وتقول للابنين ألف إلا ثلث شيء فيأخذ نصفه وهو خمسمائة إلا سدس شيء وتسقطه من الألف يبقى خمسمائة وسدس شيء وذلك يعدل الشيء المفروض لزيد لأنه جعل له ألفاً إلا نصف ما لابنيه فيسقط سدس شيء بسدس شيء تبقى خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسمائة فيكون الشيء التام ستمائة وهي ما لزيد فإذا أخذت ثلثها وهو مائتان وأسقطته من الألف بقي ثمانمائة وهي ما أقر به للابنين‏.‏

الثاني أن تجعل لزيد ثلاثة أشياء لاستثناء الثلث منه وتسقط ثلثها من الألف المضاف إلى الابنين فيكون لهما ألف ينقص شيئاً ثم يأخذ نصفه وهو خمسمائة تنقص نصف شيء وتزيده على ما فرضناه لزيد وهو ثلاثة أشياء يكون خمسمائة وشيئين ونصف شيء وذلك يعدل ألف درهم يسقط خمسمائة بخمسمائة تبقى خمسمائة في مقابلة شيئين ونصف شيء فيكون الشيء مائتين الثالث أن تقول استثني من أحد الإقرارين النصف ومن الآخر الثلث فتضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر فيكون ستة ثم تضرب في الجزء المستثنى من الإقرارين وكلاهما واحد فتضرب واحداً في واحد يكون واحداً ينقصه من الستة تبقى خمسة تحفظها وتسميها المقسوم عليه ثم تضرب ما تبقى من مخرج كل واحد من الجزئين بعد إسقاطه في مخرج الثاني وذلك بأن تضرب ما بقي من مخرج النصف بعد النصف وهو واحد في مخرج الثلث وهو ثلاثة تحصل ثلاثة تضربها في الألف المذكور في الإقرار يكون ثلاثة آلاف تقسمها على العدد المقسوم عليه وهو خمسة يخرج نصيب الواحد ستمائة فهي ما لزيد وتضرب ما تبقى من مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان في مخرج النصف وهو اثنان يكون أربعة تضربها في الألف يكون أربعة آلاف تقسمها على الخمسة تخرج ثمانمائة فهي ما للابنين ولو قال لزيد علي عشرة إلا ثلثي ما لعمرو ولعمرو عشرة إلا ثلاثة أرباع ما لزيد تضرب المخرج في المخرج تكون اثني عشر ثم تضرب أحد الجزئين في الآخر وهو اثنان في ثلاثة تكون ستة تسقطها من اثني عشر تبقى ستة ثم تضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إخراج الثلثين وهو واحد في أربعة ثم تضربها في العشرة المذكورة في الإقرار تكون أربعين تقسمها على الستة فتكون ستة وثلثين وذلك ما أقر به لزيد ثم تضرب واحدا وهو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الأرباع الثلاثة في ثلاثة تكون ثلاثة تضربها في العشرة يكون ثلثين تقسمها على الستة تكون خمسة وهو ما أقر به لعمرو ولعلم أن الطريقين الأولين ضربان مجربان في أمثال هذه الصور بأسرها‏.‏

وأما الطريق الثالث فإنه لا يطرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الإقرارين ولو قال لزيد عشرة إلا نصف ما لعمرو ولعمرو ستة إلا ربع ما لزيد كان مقراً لزيد بثمانية ولعمرو بأربعة ولو قال لزيد عشرة إلا نصف ما لعمرو ولعمرو عشرة إلا ربع ما لزيد كان مقراً لزيد بخمسة وخمسة أسباع ولعمرو بثمانية وأربعة أسباع ويتصور صدور كل إقرار من شخص بأن يدعي على زيد وعمرو مالا فيقول زيد لك علي عشرة إلا نصف مالك على عمرو ويقول عمرو لك علي عشرة إلا ثلث مالك على زيد وطريق الحساب لا يختلف‏.‏